المراجعة الأخيرة التي قام بها مجلس الشيوخ الأميركي، للطريقة التي قامت بها إدارة بوش باستخدام الاستخبارات في الفترة التي سبقت الحرب على العراق قد تكون ذات قيمة·· بيد أن هذا التركيز المبالغ فيه من جانب مشرعينا على النظر إلى الماضي، لن يؤدي إلى تقوية إمكانياتنا الاستخبارية المستقبلية· وأنا أرى من واقع خبرتي في العمل الاستخباري، أن الجهود التي تبذل حاليا لتغيير شكل أجهزة الاستخبارات ستلحق الضرر بتلك الأجهزة بأكثر مما قد تؤدي إلى تحسينها· فهذه الجهود ركزت على كل شيء تقريبا ونسيت الأهم ألا وهو أننا بحاجة إلى إطار متماسك لعملية الإصلاح ذاتها، حتى لا تتبعثر جهودنا في دروب فرعية· وقد قُدمت في إطار تلك الجهود، مبادرات عديدة تضاربت فيما بينها، وأدت إلى إنتاج ما يشبه لعبة كرة قدم يلعبها لاعبون عمرهم 7 سنوات فما فوق· وهؤلاء اللاعبون يمثلون الأقسام والإدارات الاستخبارية التي تتمركز حول فكرة محورية، وترتطم فيما بينها، وتترك بعض الموضوعات الحيوية دون منحها الاهتمام اللازم·
والملعب الذي يلعب فيه هؤلاء اللاعبون هو ملعب طويل وعريض تنتشر فيه تحديات القرن الحادي والعشرين· وهذه التحديات تتمثل في المخاطر العابرة للحدود الإقليمية مثل الإرهاب، وانتشار الأسلحة، وتهريب المخدرات، والأوبئة العالمية· كما أنها تشمل أيضا موضوعات اقتصادية مثل الطاقة والعملة والتجارة، وموضوعات مرتبطة بمناطق جغرافية معينة مثل نمو التطرف الإسلامي، والطموحات النووية لكل من إيران وكوريا الشمالية، وتهريب البشر عبر حدود الولايات المتحدة البحرية والبرية، والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية الهائلة في قارة أفريقيا· وجميع هذه التحديات تتضمن مكونات ترتبط ببعضها بعضاً ارتباطا وثيقا، وتتطلب عملا استخباريا شاقا وجريئا، وتحليلا للمعلومات حتى يتسنى لنا فهم طبيعة ونطاق ودرجة إلحاح تلك التحديات على أمننا القومي·
ولكن استجابة الحكومة لمباراة كرة القدم المذكورة أعلاه تمثلت في إرسال المزيد من اللاعبين إلى الملعب وهو ما أدى إلى المزيد من التضارب في المسؤوليات والتنازع على الصلاحيات·
فبالإضافة إلى تبديد الموارد، فإن الارتباك والتداخل الذي كان محتما حدوثه بين مسؤولي الاستخبارات الفيدرالية، قد أدى بدوره إلى إرباك مسؤولي فرض القانون في المدن والولايات المختلفة، الذين يرغبون بصورة شديدة في تقاسم المعلومات الاستخبارية مع شركائهم على المستوى الفيدرالي· ولكن المشكلة في هذا السياق هي أن بعض الأجهزة مثل جهاز ''قوات الواجب المشتركة المخصصة لمقاومة الإرهاب'' JTTFs والتي تعمل تحت إمرة مكتب التحقيقات الفيدرالي ''إف بي آي''، تقول إن المعلومات التي بحوزتها، والتحليلات التي تقوم بعملها ليست من الأشياء التي يصح تقاسم المعلومات بشأنها مع الأجهزة المحلية وأجهزة الولايات وذلك بسبب طبيعتها السرية البحتة، وهو ما أدى في النهاية إلى تضارب الاختصاصات بين ''قوات الواجب'' وبين تلك الأجهزة حول المسؤولية عن بعض الأشياء مثل حماية الجسور، والأنفاق، والمباني الموجودة في مركز المدينة وغير ذلك من أمور· والصورة العامة هي أن أجهزة الاستخبارات الأميركية على مختلف أنواعها ومستوياتها أصبحت تمتلك عددا كبيرا من اللاعبين ولكنها لا تمتلك خطة شاملة للعمل· على الرغم من أن تلك الخطة تمثل في رأيي الأساس الذي يجب أن يقوم عليه أي إصلاح لأجهزة الاستخبارات·
إنني أكاد أسمع البعض منكم يقول: مهلا يا سيدي·· ألم يقم الرئيس بوش والكونجرس مؤخرا بتعيين مدير عام لكافة أجهزة الاستخبارات في الولايات المتحدة؟· نعم لقد حدث ذلك·· ولكن مما يؤسف له أن ''قانون إصلاح الاستخبارات ومنع الإرهاب'' (2004) الصادر بهذا الشأن، يفتقر إلى رؤية واضحة، كما أنه يستخدم لغة ملتبسة وغير واضحة لتحديد مهام المدير العام للاستخبارات، وغيره من مسؤولي الأجهزة الاستخبارية علاوة على أنه تضمن توقعات غير عملية مثل المشاركة مثلا في قاعدة البيانات الاليكترونية دون أن يتضمن المواد الضرورية التي يمكن بها ضمان أن الوكالات الاستخبارية المختلفة ستقوم بتطوير نظم معلوماتها الخاصة التي تفي ليس فقط بحاجتها وإنما بحاجة شركائها أيضا· علاوة على ذلك فإننا نجد أن الرجل المعين حاليا كمدير عام لأجهزة الاستخبارات وهو ''جون نيجروبونتي'' مطلوب منه أن يقوم إلى جانب مهام عمله، بالعمل كمستشار أول للرئيس بوش لشؤون الاستخبارات وهو ما سيؤدي إلى تشتيت جهوده والحيلولة بينه وبين التركيز على الخطة الاستراتيجية التي طالت الحاجة إليها· ومن بين الطرق التي يمكن بها رسم تلك الخطة الاستراتيجية القيام بتعيين فريق صغير من الخبراء الاستخباريين والتنظيميين يقودهم مسؤولون متميزون يكونون مسؤولين أمام المدير العام للاستخبارات مباشرة· على أنه يجب أن يكون معلوما في هذا السياق أنه لو كانت لدينا أفضل الفرق وأوضح الاستراتيجيات، فإن تغيير شكل الاستخبارات سيتطلب أشياء أخرى وسيعتمد في النهاية على عدة عوامل·
أولا: أن يكون هناك قبول سي